٢٥ أغسطس ٢٠٠٨

السرّ




« المشهد الأخير بفيلم ( المنقذ ) أول مرة .. صور » ..

قالها المعاون ، ليصرخ بعدها المخرج بإنفعال :
- حركة .

و بدأ المشهد الأخير ..

كان البطل المدعو بـ ( المنقذ ) يواجه شريراً يمتلك قوى خارقة ، انقض على البطل طائراً ، دون أن يبدو عليه - حتى داخل الاستوديو - أى أثر للخدعة ، فغمغم المنتج خارج موقع التصوير منبهراً :
- ياالهى ..! لا تبدو أية أحبال أو روافع .. لقد أصر الممثل ( مراد فريد ) ، الذى يقوم بدور الشرير الخارق ، على استخدام تكنولوجيته الخاصة فى الخدع ، و هاهو يقوم بذلك الطيران ، دون أن ندرى حتى أين وضع أجهزته ، و ما فكرة خدعته .

قال له مساعده بحروف تقطر انبهاراً ، و هو يراقب طيران ( مراد فريد ) الأشبه بالسحر :
- بالفعل .. انه يصر على أنها تكنولوجيا محظورة ، و لربما سرقها بعض جواسيس الصناعات العلمية ، و يخشى أن يكتشفها أحد لأنها متطورة ، لذا فقد أخفى عنا حتى موقع الأجهزة المستخدمة ، رغم تذرعنا بحجة حمايتها .. و له الحق فما نراه يذهلنا حتى النخاع ، و لن يستطيع الخبراء الجزم قط بأن ما يروه خدعة ، فما البال بالمشاهدين .. يالتكنولوجيا !

حطم ( مراد فريد ) مع حروفه الأخيرة جداراً فولاذياً بلكمة رهيبة ، لم تؤثر بمقدار شعرة فى أصابع يده ، فقال المنتج فى إهتمام :
- هذه الخدعة سهلة  فالحائط كرتون مقوى مصبوغ بلون الفولاذ كالعادة ، أليس كذلك ؟!

قال المساعد بحماس ، و الرذاذ يتطاير من شفتيه :
- بل فولاذ خالص .. و لكنها التكنولوجيا المتقدمة الحديثة !

ارتفع حاجبا المنتج عالياً فى دهشة ، و فتح فكيه للتفوه بشئ ما ، ثم عاد يغلقهما و هو يشاهد بفضول مبهور ، كيف اخترق ( مراد فريد ) كل شئ ، ليطبق فى النهاية على البطل ، الذى صوب نحوه مسدس خاص فى آخر لحظة ، و وفقاً للسيناريو لقى البطل مصرعه بعد قضاؤه على الشرير الخارق ، ليبدأ فريق المونتاج إعداد التتر الختامى     ..

و بينما يحتفل الجميع بإنتهاء مشاهد التصوير ، قال المنتج هائل البدانة بحاجبين انعقدا فى تصميم :
- هذه التكنولوجيا عجيبة بالفعل ، ما رأيك ؟

قال المساعد فى خبث :
- ( مراد فريد ) لن يستطيع مقاومة وسائلنا .. خاصة إذا ما بدأنا بأقوى قدراتنا .

حك المنتج ذقنه النامية ، و هو يقول بشر واضح :
- لن أساومه على أجره لديك حق ، سأبدأ فى المساومة على حياته مباشرة ، و إن كان بارعاً حتى النهاية لن يحول شئ بينى و بين أسرته ، و لكن لن أدع أحد غيرى يحصل على ذلك السر ، لن يسبقنى أحد بهذه التكنولوجيا الـ.. !

« اطمئن .. لن يفعل أحد » ..

بتر عبارته بقوة مع ظهور ( مراد فريد ) ، فقال المساعد بعصبية :
- هل كنت تتنصت علينا ؟

بينما أزاحه المنتج بذراعه البضة ، ليواجه ( مراد فريد ) مباشرة ، و يقول بلا مواربة :
- لا بأس .. قل لى يا رجل .. ما سر تكنولوجيتك و سأساعدك على أن تحيا دون مشاكل .

ارتفع حاجبا ( مراد فريد ) للحظة كما لو كان غير مصدق لذلك التهديد الصريح ، و أزاح حرملة زيه الأسود اللامع ، الذى ما زال عليه ، ثم ابتسم قائلاً :
- السر كله يكمن فى شئ واحد .

قال المساعد فى لهفة :
- ما هو ؟

فرد ( مراد فريد ) ذراعيه على الجانبين ، قائلاً :
- أنا !

قال المنتج فى غضب :
- هل تسخر منى أيها الممثل التافه ؟!

ثم قال متسرعاً :
- زوجتك و ابنك فى قبضتى .. إما أن تعطينى السر ، أو ..!

بتر عبارته فى توتر عندما اشتعلت عينى ( مراد فريد ) بغضب مستعر ، قبل أن ينقض على المنتج البدين ، و يحمله بيد واحدة ، و يرفعه عن الأرض من تلاليبه ، قائلاً بصرامة :
- ماذا قلت للتو أيها الوغد ؟!

أسرع المساعد يستل مسدسه ، و وضعه على رأس ( مراد فريد ) ، قائلاً بكلمات عصبية مرتعشة غضبى :
- أتركه أو ..!

التفت إليه برأسه قائلاً بلهجة مخيفة :
- أو ماذا ؟!

ثم و بيده الأخرى وضع إبهامه فوق سبابة المساعد ، الموضوعة على الزناد ، و أطلق النار عبر الفوهة الملتصقة مازالت برأسه ..

و انطلقت الرصاصة من الفوهة ، و ارتطمت بصدغه دون ان تنسف الرأس ..

و عندما أبعد المساعد ماسورة المسدس فى خوف ، سقطت الرصاصة محطمة برنين بدا عجيباً ..

و فى ذهول قال المنتج المعلق من يده على إرتفاع متر كامل ، رغم كيلوجراماته التى تتجاوز المائتين :
- أنت .. أنت ..!

قال ( مراد فريد ) بوحشية ساخرة :
- نعم أنا خارق بالفعل .. و هذا هو السر .

ثم طوحه ..

و طار جسد المنتج ككرة ضخمة ليخترق سقف الأستوديو الزجاجى ، و ينطلق كالقذيفة بعيداً وسط ذهول الجميع المفرط .. بعيداً .. بعيداً ..

و اصطكت ركبتى المساعد بالفعل و هو يتراجع أمامه بهلع ، و يكاد يجثو على ركبتيه ، قائلاً فى ضراعة مذعورة :
- أرجوك .. لم لأكن أطلق النار عليك .. الرحمة .

برقت عينا الخارق بقوة ، و هو يقول بشماتة و تشفى :
- و لم تكن لتجرؤ .

و أمام كل من فى الأستوديو ، ازداد بريق عيناه بغتة ، حتى تحولتا لما يشبه مصباحين أبيضين ، و ..!

و فجأة تبخر المساعد ..

إنفجر بصوت مكتوم ، و تلاشى كأتربة خفيفة ..

و لم يعد الجميع يحتملون ، فانطلق الصراخ ..

و عمت الفوضى و الكل يفر لينجو بحياته ..

و طار الخارق فى سماء المدينة قائلاً :
- الآن سأضطر للبحث عن مهنة أخرى غير التمثيل .

طار بسرعة بلا تكنولوجيا ..

بعدما انكشف السر ..

*    *    *

25 أغسطس 2008       ] تمت [                بقلم / عصام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق