٢٩ ديسمبر ٢٠٠٩

استمورننج !

كنت أفر بجلدى من الإنجليز ، عندما دخلت حانوت عطارة ، و ..!

و فجأة وجدت نفسى بجوار شاب عجيب الشكل ، ابتدرنى قائلاً :

- ايه يا ( مان ) ! ايه الحياة ؟!!

قلت له مصححاً :

- لأ .. اسمى ( صدقى ) .

ضحك بمجون قائلاً :

- ( صدقى ) .. ؟ ايه الأسماء القديمة ملة دى ، ما علينا معاك ( مومو ) يا مان ، من ( الكوربة ) انت بقى منين ؟

شعرت بالتوتر مع فقدانى للطربوش ، و لكن اختفاء العسكر من الشارع الذى وجدت نفسى به فجأة ، أزال قلقى و أنا أجيبه :

- ( مان ) تانى ؟ ما علينا ، أنا من ( القصاصين ) تلميذ بجامعة ( فؤاد الأول ) .

ظهرت علامات الإكتئاب على وجه الشاب ، و هو يقول :

- بقولك ايه ، انت هتطير الإستمورننج اللى لسه عاملها و الا ايه ؟! و حياة أمك لتقوللى ايه ظروفك بالظبط .

تنحنحت و قلت برصانة :

- طالما حلفتنى بـ ( تيزا ) ، اسمع يا سيدى أنا فجأة لقيت نفسى هنا ، بعد مطاردة أحد الإنجليز لى ، فى ( الغورية ) .

قال و هو يهرش :

- تيزا ؟! .. طيب .. انت قلّبت السايح ده في إيه ؟ لوكشة ( سمسونايت ) و لا حته ( نوكيا ) ؟

لم أستوعبه و لكننى خمنت مجمل مضمونه ، و على هذا أجبته :

- كلا .. لقد هتفت ضد الملكة .

ابتهج قائلاً بملامح غزاها الفهم :

- قشطة آخر حاجة ! أنا كده فهمت ، ياابن الإيه يا عفريت ! يوم ماشطحت فى السياسة نطحت ، يعنى انت اتقفشت فهبأت ؟!

انعقد حاجباى سائلاً باهتمام :

- هبأت ؟! تقصد ايه ؟

قال بيأس :

- يعنى كتيت يا شقيق .

قلت حائراً :

- كتيت ؟

قال شبه منهار :

- أيوه هربت داأنت ميح خالص ، المهم .. يعنى انت من بتوع المظاهرات الفكسانة و الـ ( الفيس بوك ) ، و اللبش ده ؟

استوضحت منه بوقار :

- ( فين أشك ) ؟ دى حركة نظامية جديدة ؟

قال بحماس مباغت :

- اسمه ( الفيس بوك ) يا صاصا ! نفّض و احلقلى !! ايه الإستمورننج بتاعتك : ( اس آر ) و لا ( ترامادول ) و لا تضرب ( سقارة ) أحسن ؟

قلت ماطاً شفتى :

- استمورننج ايه ؟ و ليه أضرب هرم ( سقارة ) ؟

شد شعره المنفوش و كأنما صعق منذ قليل ، و صاح :

- استمورننج يعنى اصطباحة ، و ( سقارة ) دى بيرة ، قصدى دماغك ايه .. الكيييييييييف ؟؟

قلت بنزاهة :

- آه .. لا .. أنا و لا فخر لا بتاع كاس ولا ترابيزة ، صحيح الخواجة ( كرياكوس ) صديقى ، بس أنا مستقيم .. أمال ؟

نظر لى نظرة عجيبة وقال :

- تعرف انك بتفكرنى باستايل ( يوسف وهبى )

قلت باحترام واضح :

- ( يوسف بك وهبى ) ده فنان الشعب ، لكن انت يافندى - لا مؤاخذة - ما بتفكرنيش بحد .

مرت فتاة جميلة فقال لها ( مومو ) :

- ايه يا مُزّة .. تتجوزينى و اغسلك المواعين ؟ معايا واحد من بتوع ( يا براميل القشطة النايحة ) ، إنما إيه نمرة .

توقعت ان تقول له : ( ياسِم ) ، و لكن المادموازيل تجاهلته للغرابة ، و هى تتحدث الى علبة صفيح أصغر من الكف ، و لما لاحظ ( مومو ) أفندى تركيزى على قطعة الصفيح ، قال و هو يدخن سيجارة كالقرطاس :

- ايه يا ( أبو صدقى ) ! إنت خط و لا كارت صحيح ، عشان عايز أعمل دقيقة .

قلت له :

- تعملها ازاى يعنى ؟

استشاط غضباً فجأة و أطبق على زمارتى ، صارخاً :

- ايه ياعم أنا ولعتلك سيجارة حشيش على بانجو ، و برضه مش قادر أفهمك ، ارحمنى هاموت .

هتفت مختنقاً :

- أنا اللى هاموت .. يا شاويش !! يا شاويش !

تركنى فى دهشة ثم سقط أرضاً ، و هو يضحك بعنف مثير للشفقة ، ثم فجأة نظر الى طويلاً ، لست أعرف لماذا شعرت أنه يعتقدنى مجنوناً ، ربما لأننى وصمته بنفس الصفة بأعماقى ، و لكنه سحب مديته ، وضعها فوق رقبتى قائلاً بلهجة متوعدة :

- أنت جبت أخرك معايا يا ( صدقى ) يابتاع ( القصاصين ) ، أبّجنى !

قلت فى توتر كبير :

- يعنى ايه أأبجك دى يا ( مومو ) يا بتاع ( الكوربة ) و لا المصيبة دى ! ، انت كل مصطلحاتك كده محتاجة قاموس ( الوجيز ) .

ازداد هياجاً وهو يصرخ مضحياً بنفسه مع تجمهر الناس :

- يعنى فكك وهات الـ(مانى) .. الكاشات .. قِب بالكام جندى اللى فى جيبك من غير كتر أرننة .

فهمته هذه المرة لكن بصعوبة ، و أخرجت له جنيهاً جديداً ، و بعض الملاليم اللامعة ، و عندما طالعه وجه الملك سقط قائلاً :

- أنا إتزاولت يامان ..!

و فيما بعد قال تقرير الإسبتاريا أن ( مومو ) تعرض لضغط عصبى ، و صدمة أدت الى غيبوبة ، بينما أنا أحاول تذكر معنى ( استمورننج ) بلا جدوى ..