٢٩ ديسمبر ٢٠٠٩

لفافة

قال ( حسام ) فى مرح ، لخطيبته ( مديحة ) :

- لن أملّ هذا المكان ، طيلة ما بقى لى من عمر .

كان الأمر بالنسبة لها ، مشتى جميل فى ( أسوان ) ، بعيداً عن زمهرير العاصمة , فى هذه الفترة من الشتاء ، على أنها لم تكن تعلم ، أن ( حسام ) يهيم حقاً بجده لأمه ، وبدار جده فى ( أسوان ) .. كل ما قاله لها عنه – بإنبهار – أن ذاكرته أقوى من ذاكرتيهما مجتمعتين ، وأنه موضع احترام و حب من كل العائلة ..

ورداً على العبارة السابقة ، قال الجد :

- على الرحب و السعة دائما يا ولدى ، خاصة لدى اصطحابك خطيبتك المهذبة ( مديحة ) .

قالت ( مديحة ) بحياء حقيقى :

- اشكر مجاملتك الرقيقة يا عماه .

قال الجد بإبتسامة وقور :

- لا تقولى مجاملة .. لقد ازدادت الشمس جمالاً ، لوصولك الى حديقة دارى هذه .

قال ( حسام ) بلهجة تصطنع الخطورة :

- آه .. ! يبدو اننى سوف استلهم الموروث الصعيدى ، و أطالب بالثأر منك يا أيها الشيخ .

ضحكوا فى صفاء لدعابته ، و تنهد الجد قائلاً :

- لم يعد الصعيد كسابق عهده يا ولدى .. لقد انتهى الثأر الخارج عن القانون ، أيضا تلاشت الأمية من الصعيد ، و

تجاوزنا خط الفقر .. حتى اننى أخشى من تغير كل سمات

الزمن الجميل .. كالأصدقاء مثلاً .

قالت ( مديحة ) فى شئ من الأسف :

- لقد أصبح هؤلاء بالذات كالعملة النادرة .

التقط ( حسام ) نفساً عميقاً ، من الهواء الطلق ، ثم سأل جده :


- ألا يزورك أحداً من الرفاق القدامى ؟!

مط شفتين كستهما الشعيرات البيضاء الناصعة ، وأجابه :
- لقد صار هذا شحيحا كأمطار ( أسوان ) .

قال ( حسام ) بسرعة وجذل :

- ولكن الذكريات ليست كذلك حتماً .

ابتسم الجد كما لو أنه قرأ أفكاره ، فقالت ( مديحة ) متسائلة :

- ماذا تعنيان ؟!
أجابها الجد بنفس ابتسامته الحنون :

- انه يقصد رغبته لسماع واحدة من ذكرياتى ، كما اعتاد كلما زارنى ، ما رأيك أنت يا بنيتى ؟

قالت بإبتسامة رائعة :

- الواقع انه من فرط إعجاب ( حسام ) ، بذاكرتك الفولاذية و قصصك الجميلة .. فقد جعلنى هذا أتوق لسماعك يا عماه .

اعتدل الجد ، وقال فى هدوء و رزانة :

- فليكن .. وبمناسبة الأصدقاء ، سأقص عليكما الغموض الذى عاشه صديقى ( عامر المـنـفـلـوطى ) ، صاحب أكبر و

أقدم مدبغة فى ( سوهاج ) ، مسقط رأسه .. بدأ الأمر فى الستينيات .. بالتحديد فى ( يونيه ) 1967م .

وانسابت الذكرى ..

* * *
ارتفع دوى القنابل الصهيونية ..

وبدا أنها نكسة عسكرية ..
ولم يكن الوجه القِبْلى بأقل من فوران أهل البحرى ، حتى أن العدو أعلن دهشته ، بعد أن تغيرت أهداف هجمته ، من تحطيم وإضعاف للجبهة الداخلية ، إلى رفع للحالة المعنوية ، وإلى تماسك المصريين ، وقرارهم إعادة البناء ..

والأمل ..

ولقد اختلطت كل الإنفعالات و المشاعر ، فى أعماق الشاب - وقتئذ - ( عامر المنفلوطى ) ، وهو يقول لشريكه فى مدبغتهم الصغيرة :

- كم الساعة الآن يا ( ضاحى ) ؟!

أجابه بعينين منتفختين من السهر :

- الثالثة و الثلث صباحاً .. يمكنك الرحيل أنت للنوم يا ( عامر ) ، و سأنتظر أنا حتى ينتهى المرجل من الطلبية الأخيرة .

قال ( عامر ) ، مطلقاً تنهيدة ملتهبة :

- أنام ؟! .. لقد أطار الملاعين النوم من عينى الى الأبد .

ثم انه نظر اليه بشفقة ، قائلاً :

- بل اذهب أنت ، أراهن أنك ستحظى بقسط مركز من

النوم ، بكل هذا الإرهاق المطل من مقلتيك .. هيا .

نهض شريكه باستسلام متثائب ، قائلاً :

- حسناً .. إلى الصباح .

وظل ( عامر ) وحيدا ..

حاول تشغيل الراديو الضخم ، ولكنه تذكر عطبه الذى لا يجعله يعمل بنقاء ، بل بشوشرة مزعجة ..

وبتثاقل نتج عن الإحساس بالهزيمة ، نهض ( عامر ) إلى الـمرجل القديم ، لعله يهدئ من النيران المشتعلة بداخله ..

كان المرجل قد علاه الصدأ ، ولكن هذا لم ينل من كفاءته .. حيث انتهى من تسعين بالمائة – تقريبا – من الغراء المطلوب المطلوب تجهيزه ، فى تلك الطلبية .. فالمعروف أن الغريواتيين(*) يعملون مع الدباغين جنبا الى جنب ، للإستفادة من نفايات الدباغة ..

و بهمة جعلته أنجح أهل المهنة فيما بعد ، صب ( عامر ) الغراء الساخن بحرص فى خزان خاص ، ووضع آخر كمية فى المرجل ، ولكن ..

بينما يفعل لاحظ تلك الـلـفـافـة ، من القماش الأسود العتيق ..

و عندما تفحصها ، علم ما هذا الشئ الصلب بداخلها ..

هذا العَظم ..



* * *

(*) : جمع غريواتى و هو مستخدم الغراء .

((  ماذا ؟! ))  ..

قالتها ( مديحة ) فى دهشة و استنكار وبعض الإمتعاض كذلك ، ونقل الجد نظره مبتسماً بين هذا الإنفعال ، وما يبدو على ملامح ( حسام ) من استمتاع واضح ، وهى تستطرد :

- كيف هذا ؟! .. عظام ؟!

قال الجد فى هدوء :

- هذا طبيعى .. إن المواد الغضروفية والجلود الحيوانية ، إذا تعرضت لحرارة الماء شديد الغليان ، تحولت لما يعرفه الحرفيون بـ ( الغراء العربى ) .

قالت بدهشة كبيرة :

- حقاً ؟!

ضحك ( حسام ) قائلا :

- الم أقل لك .. لن أسأم حكاياته أبداً .. أكمل يا جدى .
واصل الجد قائلا :

- الواقع أن السؤال كان : مَن وضع هذه العظام فى اللفافة ؟ ولماذا ؟!

وكانت الإجابة هناك ..

فى قرن ماضى ..

* * *
(( انه ( إدريس ) .. )) ..

قالها ( ضاحى ) مجيبا ( عامر ) الذى انعقد حاجباه ، قائلا فى حيرة :
- ذلك النوبى ؟!

ابتسم ( ضاحى ) صباح اليوم التالى ، وهو يثبت عمامته النحيلة جيداً ، كما تجرى عادة أهل ( سوهاج ) الطيبين ، وراح يرتب بعض الجلود المدبوغة ، متواضعاً مع العمال ، و هو يقول بثقة :

- ليس نوبيا .. بل وليس من بر ( مصر ) كله ، إنه من بلد واجهنا فريقه الرياضى لكرة القدم ، و أحرز الرائع ( حمادة إمام ) ضده هدفا صاروخياً .. هذا البلد .. اعتقد ( غاغا ) أو ( غاما ) .. شئ أشبه بمركز ( مغاغة ) لدينا ! لا أتذكر .. لم يعودوا يتكلموا عن الكرة بعد ما حدث
انتهى من الترتيب ، فلهث و قال :

- سأصنع الشاى المركز .. أتريد البعض ؟

بدا و كأن ( عامر ) لم يسمعه ، وهو يغمغم :

- لقد تغيب ( إدريس ) اليوم دون أن يخطرنى .

ارتفع حاجبا ( ضاحى ) ، ثم مط شفته السفلى مغمغماً :
- لقد رأيته أمس بالفعل يضع اللفافة ، وأنت تقول انها لم تحوى سوى العظام .. كما أن العمال يتغيبون شهرياً ، لعملهم فى غيطان القصب .. قضى الأمر .. والآن سأضع لك شاياً .

ولكن أيضاً لم ينتبه ( عامر ) له ..

فشريكه لم ير العظام الغريبة التى رآها ، ولم يشم رائحة البخور والزيت الثقيلان فى اللفافة القماشية .. صحيح أن ( إدريس ) – كما ينادونه – عامل مجد وهادئ ، صموت وبعيد عن المشاكل ، وأن ( عامر ) نفسه القى العظام فى المرجل ، ومعه الموضوع كله خلف ظهره تلك الليلة .. إلا أنه لم يدر لماذا قادته قدماه ، لزيارة ( إدريس ) فى كوخه

المبنى من الطوب اللبن ، قرب الطريق الزراعى ..

وهناك .. علم من الجيران ، أن أمه قد توفيت صباح أمس ، وأنه قد اتجه بجثمانها ، ليدفـنها فى بلدها الأفـريـقـى ..
فى البداية عندما سأل صبياً عن منزل ( إدريس ) ، أصيب الفتى بالوجل ، وهمس له ببريق من حصد الغنائم :

- لقد توفيت أمه .. ( أمنا الغولة ) !

ولكن والد الصبى أفهمه بصورة أكبر :

- مسكين ظل يحاول الإنفاق على أمه العجوز ، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة صباح أمس ، فباع كوخهما البسيط هذا بثمن بخس ، ولملم حاجياتها ، وغاب قليلا ، ثم عاد مقرراً دفن الجثمان فى بلدهم ، متعللاً بأنه لا يريد ايذاء أحد .. لا أعتقد انه سيرجع ، الأفضل أن تبحث عن عامل غيره ، ما رأيك فى ( دياب ) ولدى ؟ .. انه صغير ولكنه نجيب ، ويمكنه المساعدة .

سأله دون أن يعره اهتمام كبير :
- ولماذا لم يطلب منى المساعدة فى علاج أمه ؟!

هز الرجل كتفيه قائلا :

- ولماذا تفعل ؟!! .. لم يكن أحداً يحبها ، فقد ظلت وحيدة ، ترفض الزواج أو الإندماج .. بل انها ظلت تتحدث بلغتها الغريبة ، حتى آخر أيامها دون أن تحاول فهم العربية .. اسمع .. سأجعل ( دياب ) يترك الذرة ، رغم أهمية الحقل عندى .. أيبدأ من الغد ؟!
قال له ( عامر ) فى شرود :

- ماذا ؟!

ثم انتبه اليه فقال وهو يرحل :

- حسناً .. حسناً يا أبا ( دياب ) .

كان يفكر فى الوقت القليل ، الذى تغيب فيه ( إدريس ) ، عن إكرام الميت .. لقد توفيت أمه غريبة الأطوار صباح أمس ، ولقد رآه ( ضاحى ) يضع لفافة العظام ، مع تعامد قرص الشمس ..

فما أهمية مساهمته بهذه العظام فى هذا الوقت بالذات ؟!

لماذا تركه لجثة أمه ، ليفعل هذا ؟! ..

ما الأهمية القصوى لهذه المساهمة ، أهو جميل رمزى و أخير ، للمدبغة التى ساعدته على لقمة العيش ؟!

و لما لا ..

( إدريس ) كان طيبا كـالـنـسـمة كما يقال .. له روح ملاك ..

ويبدو أن ( عامر ) قد رضى بالتفسير ، و توافق معه لسنوات و سنوات ..
ثمانية أعوام كاملة ..
حتى فتح العلبة ..

علبة غراء قديمة ، استخدم خبرته التى اكتسبها عن أبيه النجار المحترف ، وصب منها على قطع من الأخشاب ، جهزها ليصنع بنفسه احدى نوافذ منزله ، المطلة على الجهة القبلية .. هكذا كثير من الصعايدة .. منذ القدم وحتى اليوم ، يستخدمون خبرات حرفية ، فى حياتهم اليومية ، دون اللجوء إلى الحرفيين و العمال عند كل هفوة ، كما يفعل سكان العاصمة مثلاً ..

فى تلك الفترة من السبعينيات ، كان ( عامر المنفلوطى )

أحسن حالاً بكثير ، بعد شراؤه نصيب شريكه و توسيعه للمدبغة ، حتى صارت أكبر مدابغ ( سوهاج ) ، والتى من شدة تأثره بانتصار 1973م بعد الهزيمة سماها بـ ( مدبغة الأبطال ) ..

و بعد انتهاؤه من النافذة الخشبية ، تطلع اليها بارتياح شامل ، وأغلقها جيداً قائلاً لنفسه :

- رغم الصيف .. إلا إننى أفضل الحرارة على البعوض .

واكتفى بنافذة الجهة البحرية المفتوحة و المغطاة بستار رقيق ، راح يهتز مع النسائم النادرة ، ثم استلقى على فراشه مغمغماً :

- هيه ..! كم اشتقت لك يا عزيزتى .
كان يدفع ضريبة عمله فى ( سوهاج ) ، و زواجه من امرأة من ( القاهرة ) ، حيث تعرف عليها أثناء تجارته مع صديقه ( ضاحى ) ، الذى نزح الى العاصمة منذ خمسة سنوات ، واستطاع الإستقرار بها ، وفتح مصنع ملابس جلدية .. و ها هى زوجته تقضى فترة نقاهتها بعد وضعها لطفلهما الثانى ، عند والدتها .. ولأن جلد الأضاحى فى موسم العيد الكبير أوفر ، فهو يعتبر أن أرباحه تكون سنوية وقتئذ ، فالـ ..!!

ما هذا ..؟! إنه يستسلم تدريجيا لسلطان النوم ؟! هذا واضح لأنه بدأ يخرف ، ولكن ما الداعى فى الأصل لفتح سينما فى ( سوهاج ) ؟! الناس ترى أفلاماً بالفعل فى التلفاز ، ذلك الجهاز الـ ..... ، الـ ... الـ ... و سقط ( عامر ) فى دائرة عميقة .. رحبة .. مريحة ..

و لكنه سقط فى الغراء ..
لجة ذات لون أحمر نارى من الغراء ، فى أعماق بئر سوداء .. حاول الطفو فوقها ، ولكنها كانت تبتلعه ببطء ..

ببطء مخيف ..
و بصعوبة اشرأب بعنقه ، محاولاً إبقاء ذقنه فوق مستوى الغراء ، وأثمرت محاولته ، عندما شعرت أطراف أصابع قدميه ، بشئ يصلح للوقوف و الإرتكاز ، رغم صغره ..

و استخدم ( عامر ) ذراعيه كى يوازن نفسه ، فلا يفلت أمشاط قدميه ذلك البروز المحدود ، ولكن سطح الغراء نفسه راح يرتفع فى بطء ..
و كأنما قد قرر عدم إتاحة الفرصة له ، وباستـماتة راح ( عامر ) يهز رأسه بقوة ، ليبعد المادة اللاصقة عن فمه و أنفه وأنفاسه تتلاحق ، حتى هتف بصوت متحشرج :

- كلا .. هذا كابوس .. كابوس .

و فجأة ..

اختفى البئر ..

وحلت محله صورة غرفته بنافذتيها القبليتان المغلقة ، والبحرية المفتوحة ..

ولكن الغراء ظل كما هو ، و إن استعاد لونه الأبيض الأصلى المائل للصفرة ..

و بهلع لا محدود صاح ( عامر ) :

- رباه .. رباه ! ما هذا ؟!

الآن أيقن أنه استيقظ من حلم مزعج عادى ؛ ليواجه كابوس خارق غير عادى .. فالغراء يملأ الغرفة ، وهو

يقف فوق فراشه ، وحاسة الإحساس و الشم بل و التذوق ، تعيد اليه كل انتباهه ، إنه الآن يرى اللاصق لا ينساب عبر النافذة المفتوحة ، رغم كثافته الغير عادية ، بل يزداد ارتفاعاً ..

كان ينساب من النافذة القبلية ، الى الداخل ..

و معه انسكبت الذكرى الى رأسه ..

ذكرى تلك الليلة المشئومة ..
فبرغم توقف تعليمه عند الإعدادية ؛ لإعتبارها – وقتها – شيئاً مشرفاً ، وليس فى الإمكان أبدع مما كان .. إلا أنه قارن إحدى العظام بتلك اللفافة ، بعظمة فخذه هو ..

و كان التطابق هو النتيجة ..

أى أنها قد تكون رفات موتى ..

عظام آدمية ..

إلا أن شيئاً ما جعله يلقيه فى المرجل .. ولقلة هذه العظام الغريبة ، فلم تستغرق إلا دقائق ، تحولت بعدها الى كمية صغيرة من الغراء .. ضمتها علبة من النوع الصغير .

علبة استعملها بنفسه بعد ثمانِ سنوات ..

و فى بيته ..
 

لقد سمع فى قريته أساطير عن السـحـر ، وعن أكلة لحوم البشر فى أدغال أفريقـيا ، ولكنه لم يربط هذا أبداً بأم ( إدريس ) ..
الذئبة المنبوذة ..

لأى شئ كانت الرائحة الغريبة فى اللفافة ؟!..

لماذا قرر ( إدريس ) التخلص منها فور وفاة أمه ، ولم ينتظر حتى أن يدفنها .. بل وهرب بجثتها خارج البلد كله؟!

بل لماذا جاءت الأم الى هنا من الأصل ؟!..لقد عرف ( عامر ) لماذا نعتها الصبى بـ ( أمنا الغولة ) ..

عرف هذا فى نفس اللحظة ، التى كان الأطباء يحاولون فيها انقاذه بإخلاص و تفان حقيقيان ..


* * *
ازدردت ( مديحة ) لعابها فى وجوم ، وسط صمت مهيب ، قطعته ضحكة الجد الرصينة قائلاً :


- ماذا حل بكما ؟! اطمئنا .. الرجل حى يرزق ، ولقد عاش بصحة جيدة كذلك ، وإلا لما علمت القصة التى رواها لى شخصياً .

و أخيرا تكلم ( حسام ) قائلاً بحماس :

- مدهش .. مازلت كعهدى بك يا جدى ، يمكنك إثارتى دائماً .

وتسائلت ( مديحة ) فى اهتمام فضولى :

- وهل وجدوا المادة اللاصقة فى غرفته ؟!

أجابها الجد فى حيرة :

- الواقع أننى لا أجد تفسيرا لهذا .. فقد وُجدت رائحة الغراء ، وفى النافذة الجديدة فقط ، وليس فى الغرفة كلها كالمتوقع ، ولكن العجيب بالفعل هو قطرة .. قطرة غراء صغيرة وجدت فى مكان غير منطقى على الإطلاق .

سأل ( حسام ) بسرعة :

- أين ؟!

أجابه بنفس السرعة :

- فى فمه .

ارتفع حاجبيهما فى دهشة مسترسلة ، لم يوقفها إلا قدوم زوجة الجد ، حاملة فطائر صباحية شهية الرائحة ، هب لها ( حسام ) و اتجه ليساعدها قائلاً :

- إننى أفتقد فطائرك المثيرة يا جدتى .

قالت بطيبة :

- هل عاد لحشو مخك بقصصه العجيبة تلك ؟!

ضحكوا لدعابتها ، و ( مديحة ) تسأل الجد ، وقد بدا أن قصصه قد استهوتها الى حد كبير :

- والنافذة ؟!

سألها الجد وهو يتناول شطيرة :

- أية نافذة ؟!

قالت فى اهتمام :

- النافذة القبلية .

قال ( حسام ) بابتسامة جذلة :

- أكاد أتوقع مصيرها .

قال الجد ببساطة :

- بعد ايمانه بأنها مسحورة أو محرمة ، فقد دفنها مع علبة اللاصق ، فى نقطة بالظهير الصحراوى بمحافظة ( سوهاج ) .. قرر أن تكون نقطة عشوائية تماماً ، لينساها إلى الأبد .


والواقع أن ( مديحة ) كانت تتخيل أنها مجرد رحلة لمشتى جميل ، لكنها لم تتوقع أن تسمع تلك القصة التى لن تنساها أبداً ..


قصة لفافة ..


* * *