١١ يناير ٢٠١٠

سوء تفاهم

كان مشهداً ضخماً و رائعاً ..

و مؤثراً ..

لقد تجمعت القيادات لوداعى ، و مندوبين من كل الدول الكبرى ، و رغم أهمية الحشد الذى لم يجتمع فى التاريخ لحدث كهذا ، إلا أن بصرى تعلق بحبيبتى و زوجتى بالذات ..

و التى راحت تلوح لى بلا توقف ، حتى بعد إنطلاق الصاروخ ، الذى يحمل سفينة الفضاء الأقوى فى العالم ، و أنا بقلبها ..

فى مهمة تستحق الوداع العالمى ..

استكشاف كوكب مأهول ..

كان الأمر لا يصدق ، و أسفر عن مناقشات عالمية استغرقت فترة طويلة و مرهقة ، اتفق بعدها الجميع ، على إرسال متطوع الى الكوكب ، الذى يقع على مبعدة عشرة سنوات ضوئية كاملة ..

متطوع مزود بأجهزة حديثة ، ليقيم محطة استقبال و إرسال بين الكوكبين ..

متطوع سيتصل بسكان الكوكب بطريقة خاصة ، تعتمد على التنكر ، و امتصاص المعلومات مباشرة من أحد السكان ، و ذلك عبر آلة خاصة تعمل لمرة واحدة ، لتكلفتها الرهيبة ..

آلة شديدة التطور اطلق عليها اسم ( بلانيس - 2 ) ..

عندما اكتشف الكوكب بالمصادفة ، و بإستخدام تليسكوب أو مرصد إحدى سفننا الفضائية الجديدة ، وجد العلماء أدلة على وجود السحب و الماء ..

و بالتالى الحياة ..

و كان الخبر كالقنبلة ..

لسنا وحدنا فى الكون ..

كنت من زمرة علماء أكبر دول العالم ، و اكثرهم لياقة بدنية ، و بإستغلال وضعى هذا قاتلت حتى أكون أنا المتطوع ..

حتى نلت هذا الشرف ..

و لأن المسافة بعيدة حقاً ، فلقد أنهيت طقوسى الشخصية الخاصة ، و دخلت غرفة التجميد ، بعد انطلاق برنامج السفينة الآلى ، و هذا طبيعى حتى لا أصل و أنا كهل ضعيف ..

و أدرت ذلك القرص ، ثم ألقيت أوامرى صوتياً ، فإمتدت الأنابيب تتصل بجسدى ، و ارتجف جسدى إرتجافة أخيرة ، و ..!

و ساد الظلام ..

* * * * *

فتحت عيناى و قد خيل إلى أن عقلى قد غفا للحظة ..

يبدو أن هناك عطلاً فى نظام التجميد ، على تفقده ..

و لكن ..!

لحظة ..

ليس هناك أية أعطال من أى نوع ..

لقد عبرت المجرة ، و ها هو الكوكب يبدو مزرقاً تماماً كما بدا لنا من قبل ..

و بسرعة راجعت إحداثيات الهبوط التاريخى ، و مستويات الطاقة التى ستعيد شحن نفسها لمدة عام كامل ، عبر أشعة الشمس ..

عام من دراسة ذلك الكوكب ، و معايشة سكانه ..

و اخترت بقعة نائية تماماً فى إحدى صحارى ذلك الكوكب الكبرى ، لإخفاء السفينة ، ثم أعددت ( بلانيس - 2 ) للعمل ، و بدأت عبر جهاز آخر معاون ، البحث عن مخلوقات خارج تلك الصحراء ..

قرب إحدى تجمعات المياه بالتأكيد ..

كان ( بلانيس - 1 ) ضخماً بحجمى تقريباً ، يستهلك ساعة كاملة ، ليمتص المعلومات من العقول ، أما ( بلانيس - 2 ) فهو بحجم أحد أصابعى ، و لا يلبث سوى ثلاث ثوان حتى ينقل كل تاريخ و معلومات أى عقل ، و كذلك أحاسيس ذلك العقل الأساسية إلى مخى مباشرة ، لأتحدث و أتصرف بعدها بلغته و أسلوبه بمنتهى البساطة ، و كأننى أفعل هذا طوال عمرى ..

و عندما اقتربت من الماء ، شاهدت نباتات كثيفة بلون أخضر ، تماماً كأشجارنا ، مما أسعد نفسيتى و أراحها ، و ..!

آه ..!

شاهدت أحد سكان الكوكب ..

و على الفور اشتعل جهازى التنكرى التلقائى ، ليتخذ هيئته و شكله الخارجى ، مما ساعدنى على الإقتراب منه فى حذر ، و جهاز ثالث دقيق خاص بالفحص الإلكترونى ، ينبئنى بعد مسح سريع أنه غير مسلح ، و لا يحمل أية أدوات أو معدات إطلاقاً ..

لم آبه بالطبع لكونه عارياً ربما لم تبلغ بعد حضارتهم هنا حداً متقدماً ، أو أنه يغتسل ببساطة ..

لم يكن غريباً أو عجيب المنظر ، كما تؤكد كل أفلام الخيال العلمى لدينا ، و لكنه كان غير متوقع !

كانت ملامحه غامضة و غير مفهومة ..

و بسرعة .. و بعدما إقتربت منه بدرجة كافية ، صوبت الـ ( بلانيس - 2 ) ، بعدما ألصقت كعبه بمقدمة رأسى ، و أطلقته من هذا الوضع ..

و تجمد الكائن بذعر ، و عندما انتهى عمل الـ ( بلانيس - 2 ) ، تدلى لسانه فى بلاهة ، و تخشب كالمعاتيه ، بل و رال على نفسه ، و كأنما امتص الجهاز منه كل شئ ، بالمعنى الحرفى لكلمة ( شئ ) ..

بينما و على الجانب الآخر ، تم حشو مخى بسيل من الروائح و الحركات و الأصوات و عالم ذلك الكائن ..

و بإستخدام جهاز الرصد ، توجهت الى أكبر تجمع لتلك الكائنات مباشرة ، لأبدأ التعايش الفعلى بينهم ، بعدما ألقيت بـ ( بلانيس - 2 ) الذى يعمل لمرة واحدة فقط ، و فيما يشبه مدينة من مدن هذه الكائنات إنخرطت معهم ، ليترجح لدى الإحتمال الثانى بأنهم ليسوا بدائيين لهذه الدرجة ..

استخدمت أسلوبهم الذى إنغرس فى شكلى الخارجى و صوتى و لغتى و حتى إشاراتى ..

و لمدة عام كامل ..

و لكنهم لم يفهموننى ..

و لم أفهمهم ..

أبداً ..

* * *

] برنامج (حوار) بإحدى القنوات الفضائية [: -

المذيعة تتنحنح و تقول للضيف :

- دكتور ( مأمون ) العالم الفلكى الدولى .. ما قولك فى قضية الساعة ؟!

غمغم الدكتور ( مأمون ) فى إحباط عجيب :

- مرصدنا الجديد لإستكشاف الكواكب المأهولة ، رصد سفينة الفضاء ، و هى تهبط فى الصحراء الكبرى ، و لقد أخفاها ذلك المخلوق على نحو لم يمكننا حتى الآن من كشفه ، المشكلة الكبرى أنه لا يمكننا فهمه على الإطلاق ، و لأنه من عالم آخر فهو الآخر لا يفهمنا مهما حاولنا معه .. رغم إستخدامنا كل وسائل التحدث و التخاطب ، القديمة و الحديثة و الغير تقليدية .


قالت المذيعة ببرنامج ( حوار ) على القناة الفضائية المصرية الجنسية :

- و لكن ماذا عن شكله ؟!.. معظم المشككين فى رواية العالم الآخر هذه ، يتخذون من مظهره أكبر دليل على كذب و إدعاء تلك الرواية !


قال الدكتور ( مأمون ) بمرارة حقيقية :

- إنه من كوكب آخر بالفعل .. لقد رصدنا سفينته الفضائية ، و لسنا ندرى لماذا تبدو هيئتهم فى ذلك الكوكب ، كهيئة القردة لدينا .. لسنا ندرى لماذا ؟ .. لماذا ؟؟! السر كله يكمن فى التفاهم معه ، لكنه يصرخ و يتواثب كقرد حقيقى ، و كأنما لا يمكنه التفاهم بإسلوب البشر ..

قط ..

] تمت بحمد الله [

* * *

بقلم / عصام منصور

فى 10 يوليو 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق