١٣ نوفمبر ٢٠١١

الميت كلب




الميت كلب








لم يكن ( حليم ) يعرف انه بقتله لـ ( فَرفَر ) سيحدث كل هذه الجلبة ، كان الأمر عنده أبسط مما رأى بين الأسرتين بكثير ، فـ ( حليم ) طفل و ( فرفر ) كلب و ( حليم ) لم يجد غضاضة فى إطلاق ( فرفر ) كى يلعب و يرتع ، لكنه تركه يقفز من الشرفة دون أن يعتقد ان قفزة كهذه - من ارتفاع سبعة طوابق - يمكنها أن تقضى عليه ..


هكذا اجتمع أهل ( حليم ) و أهل ( فرفر ) الذين يؤونه ، و يتركونه أحيانا ليلعب مع ابن الجيران الطفل ( حليم ) ، و دار الآتى ..


أهل ( حليم ) : الكلب مجرد حيوان و لا يستحق هذه الجلبة و هذا الإحتجاج .


أهل ( فرفر ) : لا يمكن أن تتجاهلوا الموقف ، و لابد أن يعلم ( حليم ) أنه ارتكب جريمة القتل .


أهل ( حليم ) : ابننا ليس بقاتل .. بل لو أننا إذا ما اكتشفنا بأدنى إثبات طبى أن (فرفر) نقل جراثيم أو بكتيريا خطيرة لإبننا – و هو وارد بشكل لا يصدق – سيكون هذا أدعى على قتل تلك الكائنات المعدية .


أهل ( فرفر ) : ( فرفر ) كان يتعامل مع أفضل البيطريين المعتمدين لأننا نعى جيدا أهمية النظافة و الصحة ، ما هو مثبت بالفعل أن ( حليم ) ارتكب فعل القتل ، و اخفاؤكم هذا عنه جريمة أخرى ، لأنه سيشب مستهينا بالأرواح ، و تشجيعكم له على هذا سيجعله يتمادى .


أهل ( حليم ) : ( حليم ) مجرد طفل .. و لا حرج على الطفل .


أهل ( فرفر ) : إذا ما حاولتم مجرد محاولة تبرئته بسبب السن و المرحلة العمرية فحسب ، فهذا مردود عليه بالقانون لأن القاصر الذى يرتكب جريمة فولى أمره هو المسؤول عنها .


أهل ( حليم ) : أين عقلكم يا قوم ! إنه مجرد كلب .. مخلوق فيه الروح و له رخصة و يعامل طبيا جيدا و يمتلك اسم ( فرفر ) و له من يعتنى به .. كل هذا جميل .. لكنه فى النهاية مجرد كلب غير عاقل .


أهل ( فرفر ) : هذه دموية .. أين إنسانيتكم أنتم ؟ تتسترون على قتل روح ثم تعلّمون ابنكم البرئ أن هذا حق أصيل له لأنه انسان ، بل و تتجادلون مع أولياء القتيل !


أهل ( حليم ) : أنتم قلتوها .. ابننا البرئ .. أى أنه لم يتعمد القتل .. أى أنه بالتالى قتل بدون تعمد .. كما أن القانون لن يؤذينا .


أهل ( فرفر ) : فهل إطمئنانكم راجع لأن القانون الوضعى لن يعطينا حقنا و يعاقبكم ؟ إنها لعمرى جريمة أخرى تعلمون الطفل ألا يتبع سواها .. طالما أفلتّ من العقاب فافعل ما بدا لك ، ياللعار !


أهل ( حليم ) : لسنا بهذه الأخلاق الرهيبة التى توحون لنا بها .. لكن الموضوع برمته ليس بين رجل و رجل ، بل بين طفل و كلب .


أهل ( فرفر ) : الطفل سيكون رجلا .. و الكلب من خلق الله و معاملته الرحيمة دليل التحضر و السماحة و الإنسانية .


أهل ( حليم ) : حسنا .. الكلب ضحية لديكم لكنه بالنسبة لـ ( حليم ) لم يكن شيئا هو مسؤول أول عن حياته .. بل إن نيته كانت تنزيه الكلب و تحريره كى يلعب فى الشارع .


أهل ( فرفر ) : إنها مسؤولية مشتركة .. فلولا اقتناعكم و إقناعكم له أن حياة الكلب غير مهمة ، لما أقدم على هذا التهور الغير محسوب العواقب .


أهل ( حليم ) : و ماذا لو أثبتنا لكم أننا لسنا كما تظنون .. بل و أننا جديرون بثقتكم و أننا تعرضنا لغبن شديد .


أهل ( فرفر ) : و كيف هذا يا ترى ؟


أهل ( حليم ) : إن لكم كلبين ( فرفر ) و ( جِلجِل ) و قد رحل ( فرفر ) فيتبقى ( جلجل ) .


أهل ( فرفر ) : لا نعتقد أنكم تفكرون فيما تفكرون فيه !


أهل ( حليم ) : بل هو عين ما نفكر فيه ! ليس هناك بديل يثبت حسن تصرفنا و نوايانا معكم و حسن ثقتكم و احترامكم لنا ، سوى استضافة ( جلجل ) غدا فيظهر لكم مدى سرورنا و حسن تدبيرنا ، و لو رفضتم لما استقامت الحياة و لظلت جيرتنا مستحيلة .


أهل ( فرفر ) : يبدو الأمر محفوفا بالخطر لكنه مغريا فى نفس الوقت .. هذا اقتراح غريب !


أهل ( حليم ) : ما رأيكم ؟ فكروا فى الأمر و كونوا معنا على وفاق .. انتم شديدى الحياء و الرحمة و الإنسانية .


أهل ( فرفر ) : رغم مجادلتكم إلا أننا على استعداد للوثوق فيكم .. حسنا .. سنحضر ( جلجل ) العزيز فى الغد أثناء تركنا للبيت .


هكذا وصل ( جلجل ) و الذى كان أضخم جسما و أكبر شدقا و أغزر لعابا و أصخب لعبا ، رويدا رويدا بدأ أهل ( حليم ) يفقدون صبرهم على ( جلجل ) ، و كانوا يلحظونه و يهتموا بالعناية بمراقبته أشد الإهتمام فى لعبه مع ( حليم )  ؛ حتى يفوا بوعدهم و لا يظهروا بخلاف ما وعدوا به أمام أهل ( فرفر ) ، لكنهم على آخر النهار و مع تأخر أهل ( فرفر ) بدأوا يتململون و يقولون :


- يا له من كلب متبجح ! انه مجرد حيوان حقير .. كيف يجرؤ ؟!


و عليه تركوا ( حليم ) بمفرده يلعب مع ( جلجل ) ، و عندما عاد أهل ( فرفر ) وجدوا ( جلجل ) نائما لا يتحرك و لا يتنفس بجواره ( حليم ) حائرا لا يفهم سبب ما حدث و هو يقول :


- لا أدرى لماذا تعد معدة ( جلجل ) ضعيفة .. لقد التهم الطعام المسموم الذى وضعناه للفأر و لم يتحرك بعدها .


قال أهل ( فرفر ) فى قنوط : لا فائدة .. القاتل يظفر بضحية جديدة .








تمت





بقلم / عصام منصور


 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق