الميت
كلب
لم يكن ( حليم ) يعرف انه بقتله لـ ( فَرفَر )
سيحدث كل هذه الجلبة ، كان الأمر عنده أبسط مما رأى بين الأسرتين بكثير ، فـ (
حليم ) طفل و ( فرفر ) كلب و ( حليم ) لم يجد غضاضة فى إطلاق ( فرفر ) كى يلعب و
يرتع ، لكنه تركه يقفز من الشرفة دون أن يعتقد ان قفزة كهذه - من ارتفاع سبعة
طوابق - يمكنها أن تقضى عليه ..
هكذا اجتمع أهل ( حليم ) و أهل ( فرفر ) الذين
يؤونه ، و يتركونه أحيانا ليلعب مع ابن الجيران الطفل ( حليم ) ، و دار الآتى ..
أهل ( حليم ) : الكلب مجرد حيوان و لا يستحق
هذه الجلبة و هذا الإحتجاج .
أهل ( فرفر ) : لا يمكن أن تتجاهلوا الموقف ، و
لابد أن يعلم ( حليم ) أنه ارتكب جريمة القتل .
أهل ( حليم ) : ابننا ليس بقاتل .. بل لو أننا
إذا ما اكتشفنا بأدنى إثبات طبى أن (فرفر) نقل جراثيم أو بكتيريا خطيرة لإبننا – و هو
وارد بشكل لا يصدق – سيكون هذا أدعى على قتل تلك الكائنات المعدية .
أهل ( فرفر ) : ( فرفر ) كان يتعامل مع أفضل
البيطريين المعتمدين لأننا نعى جيدا أهمية النظافة و الصحة ، ما هو مثبت بالفعل أن
( حليم ) ارتكب فعل القتل ، و اخفاؤكم هذا عنه جريمة أخرى ، لأنه سيشب مستهينا
بالأرواح ، و تشجيعكم له على هذا سيجعله يتمادى .
أهل ( حليم ) : ( حليم ) مجرد طفل .. و لا حرج
على الطفل .
أهل ( فرفر ) : إذا ما حاولتم مجرد محاولة
تبرئته بسبب السن و المرحلة العمرية فحسب ، فهذا مردود عليه بالقانون لأن القاصر
الذى يرتكب جريمة فولى أمره هو المسؤول عنها .
أهل ( حليم ) : أين عقلكم يا قوم ! إنه مجرد
كلب .. مخلوق فيه الروح و له رخصة و يعامل طبيا جيدا و يمتلك اسم ( فرفر ) و له من
يعتنى به .. كل هذا جميل .. لكنه فى النهاية مجرد كلب غير عاقل .
أهل ( فرفر ) : هذه دموية .. أين إنسانيتكم
أنتم ؟ تتسترون على قتل روح ثم تعلّمون ابنكم البرئ أن هذا حق أصيل له لأنه انسان
، بل و تتجادلون مع أولياء القتيل !
أهل ( حليم ) : أنتم قلتوها .. ابننا البرئ ..
أى أنه لم يتعمد القتل .. أى أنه بالتالى قتل بدون تعمد .. كما أن القانون لن
يؤذينا .
أهل ( فرفر ) : فهل إطمئنانكم راجع لأن القانون
الوضعى لن يعطينا حقنا و يعاقبكم ؟ إنها لعمرى جريمة أخرى تعلمون الطفل ألا يتبع
سواها .. طالما أفلتّ من العقاب فافعل ما بدا لك ، ياللعار !
أهل ( حليم ) : لسنا بهذه الأخلاق الرهيبة التى
توحون لنا بها .. لكن الموضوع برمته ليس بين رجل و رجل ، بل بين طفل و كلب .
أهل ( فرفر ) : الطفل سيكون رجلا .. و الكلب من
خلق الله و معاملته الرحيمة دليل التحضر و السماحة و الإنسانية .
أهل ( حليم ) : حسنا .. الكلب ضحية لديكم لكنه
بالنسبة لـ ( حليم ) لم يكن شيئا هو مسؤول أول عن حياته .. بل إن نيته كانت تنزيه
الكلب و تحريره كى يلعب فى الشارع .
أهل ( فرفر ) : إنها مسؤولية مشتركة .. فلولا
اقتناعكم و إقناعكم له أن حياة الكلب غير مهمة ، لما أقدم على هذا التهور الغير
محسوب العواقب .
أهل ( حليم ) : و ماذا لو أثبتنا لكم أننا لسنا
كما تظنون .. بل و أننا جديرون بثقتكم و أننا تعرضنا لغبن شديد .
أهل ( فرفر ) : و كيف هذا يا ترى ؟
أهل ( حليم ) : إن لكم كلبين ( فرفر ) و ( جِلجِل
) و قد رحل ( فرفر ) فيتبقى ( جلجل ) .
أهل ( فرفر ) : لا نعتقد أنكم تفكرون فيما
تفكرون فيه !
أهل ( حليم ) : بل هو عين ما نفكر فيه ! ليس
هناك بديل يثبت حسن تصرفنا و نوايانا معكم و حسن ثقتكم و احترامكم لنا ، سوى
استضافة ( جلجل ) غدا فيظهر لكم مدى سرورنا و حسن تدبيرنا ، و لو رفضتم لما
استقامت الحياة و لظلت جيرتنا مستحيلة .
أهل ( فرفر ) : يبدو الأمر محفوفا بالخطر لكنه
مغريا فى نفس الوقت .. هذا اقتراح غريب !
أهل ( حليم ) : ما رأيكم ؟ فكروا فى الأمر و
كونوا معنا على وفاق .. انتم شديدى الحياء و الرحمة و الإنسانية .
أهل ( فرفر ) : رغم مجادلتكم إلا أننا على
استعداد للوثوق فيكم .. حسنا .. سنحضر ( جلجل ) العزيز فى الغد أثناء تركنا للبيت
.
هكذا وصل ( جلجل ) و الذى كان أضخم جسما و أكبر
شدقا و أغزر لعابا و أصخب لعبا ، رويدا رويدا بدأ أهل ( حليم ) يفقدون صبرهم على (
جلجل ) ، و كانوا يلحظونه و يهتموا بالعناية بمراقبته أشد الإهتمام فى لعبه مع (
حليم ) ؛ حتى يفوا بوعدهم و لا يظهروا
بخلاف ما وعدوا به أمام أهل ( فرفر ) ، لكنهم على آخر النهار و مع تأخر أهل ( فرفر
) بدأوا يتململون و يقولون :
- يا له من كلب متبجح ! انه مجرد حيوان حقير ..
كيف يجرؤ ؟!
و عليه تركوا ( حليم ) بمفرده يلعب مع ( جلجل )
، و عندما عاد أهل ( فرفر ) وجدوا ( جلجل ) نائما لا يتحرك و لا يتنفس بجواره (
حليم ) حائرا لا يفهم سبب ما حدث و هو يقول :
- لا أدرى لماذا تعد معدة ( جلجل ) ضعيفة ..
لقد التهم الطعام المسموم الذى وضعناه للفأر و لم يتحرك بعدها .
قال أهل ( فرفر ) فى قنوط : لا فائدة .. القاتل
يظفر بضحية جديدة .
تمت
بقلم
/ عصام منصور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق